إن الصامتين في المجتمع .. وإن بدوا كذلك .. فإنهم لا يبقون هكذا على الدوام إن صوتهم يرتفع بأسلوب أو بآخر .. من حين إلى حين فهو يجلجل إلى الآفاق عند الصلاة وعند الدعاء .. في حلقات الذكر ، في رحاب المساجد والكنائس والمعابد يرتفع إلى الآفاق في ملاعب الكرة .. وفي الملاهي والبارات ، يرتفع بالنكات ذات المضمون السياسي والاجتماعي يرتفع عن طريق الرسائل الشفاهية للموتى وعن طريق الكتابة والرسم على جدران المباني ، وفي داخل دورات المياه العمومية ..............د/ سيد عويس .. من كتاب (هتاف الصامتين)

الخميس، 29 أكتوبر 2009

تعقد الواقع وأزمة العقل البسيط / مقال


تعقد الواقع وأزمة العقل البسيط
د. السيد نصر الدين السيد – أستاذ إدارة المعرفة بجامعة كونكورديا – كندا

تتعدد العبارات التي يستخدمها علماء الاجتماع وغيرهم من الأكاديميين في وصف المجتمع الحديث .. فالبعض يطلق عليه مجتمع ما بعد الصناعة انطلاقا من حقيقة تجاوز عدد العاملين في قطاع الخدمات نسبة هؤلاء العملون في كل من قطاعي الزراعة والصناعة إذ تتجاوز نسبة العاملين في قطاع الخدمات في مجتمعات أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية واليابان نسبة 70 % من مجمل القوى العاملة .. والبعض الآخر يسميه مجتمع المعلومات انطلاقا من الدور المحوري الذي تلعبه منظومة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في جميع أنشطة المجتمع.. وأخيرا بدأ شيوع استخدام عبارة مجتمع المعرفة في وصف المجتمعات الحديثة انطلاقا من الدور المتزايد الذي باتت المعرفة بكل أنواعها تلعبه في إنتاج الثروة وعلى الرغم من تعدد المسميات واختلاف منطلقاتها إلا أن التسمية الأساسية التي تميز أي مجتمع حديث هي سمة التعقد الشديد بأبعادها الثلاثة: (التنوع الفائق) ، (التواقف المتزايد) ، (التغير المتسارع)
أبعاد التعقد
يتعلق (التنوع الفائق) بتعدد وتنوع مكونات المجتمعع المادية والمعنوية والبنيوية.. فعلى سبيل المثال يبلغ عدد السلع المتداولة في مجتمع مدينة نيويورك عشرة بلايين سلعة في حين لا يتجاوز عدد السلع التي يعرفها ويتسهلكها مجتمع قبيلة يانومامو التي تعيش في غابات الأمازون المئات. ....... أما ثاني أبعاد التعقيد: التواقف أو الاعتمادية المتبادلة (interdependence) فيتعلق بطبيعة العلاقات بين المجتمع الحديث والتي تتميز باعتماد وجود كل مكون من هذه المكونات وأفعاله على إمكانيات وأفعال بقية المكونات..... وأخيرا البعد الثالث من أبعاد التعقيد: التغير المتسارع، فلقد أضحت معدلات التغيير خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين خمسة أضعاف متوسط معدلات النغيير في القرن العشرين ..................
مأزق العقل البسيط
يشكل تعقد الواقع بأبعاده الثلاثة تحديا للعقل البسيط .. فآليات تفكير هذا العقل القائمة على الثنائيات تحد من قدرته على فهم ظواهر هذا الواقع وتفسير أحداثه.. فرؤيته للأمور تختزل ثراء ألوان الواقع المعاش إلى لونين فقط : الأبيض والأسود. .. رافضة بذلك الاعتارف بوجود الرماديات.. أما احكامه على الأفكار فلا تخرج عن حكمي الصواب المطلق والخطأ المبين لذا نراه يكره التعدد والتنوع فيعمد عند تحليله لظواهر الواقع وأحداثه إلى إغفال أغلب العناصر الداخلة في تشكيلها .. وهو إغفال لا يحكمه منطق العلم بقدر ما يحكمه منطق العاطفة أو المصلحة .. أما نظرته إلى طبيعة العلاقات بين مكونات الواقع المعاصر فتحكمها ثنائية القبول المطلق والرفض اللامحدود أو ثنائية الفسطاطين التي لا مكان فيها لمفهوم التواقف أو بلغة نظرية المباريات يعتبر العقل البسيط العلاقة بين أي طرفين كمباراة صفرية نتيجتها النهائية هي طرف غالب وطرف مغلوب وأخيرا يقف العقل البسيط أمام التغيير المتسارع موقف قلة الحيلة إذ لا تسمح له إمكانياته بالمشاركة في صنعه ولا تسمح له قدراته باستيعابه والتكيف معه ليقع في فخ الاغتراب وهكذا لا يجد العقل البسيط أمامه للهروب من هذا الفخ إلا طريقين: أولهما التشبث بإعادة إنتاج حقبة تاريخية يطلق عليها اسم العصر الذهبي أما الطريق الثاني فهو العروب نت عالم الشهادة إلى عالم الغيب متلمسا الراحة في الفردوس المنشود.


نقلا عن جريدة القاهرة عدد الثلاثاء 27 نوفمبر 2009
www.alkaheranews.gov.eg


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق